13 نيسان :
اليوم اكتشفت شيئاً ما...لقد سمحو لي أن أتطلع في المرآة داخل مكتب الدكتور خالد انني في الاربعين من عمري , يبدو ذلك واضحاً من وجهي وشعري.. لم اتمكن من التعرف على نفسي .. اقصد لم تكن ثمة علاقة بين ما رأيته في المرآة , وهذه الذاكرة الخادعة التي امتلكها.. لكنّه شيء جميل أن يرى المرء وجهه , رغم أن وجهي يبدو اعتيادياً تماماً.. علي أن اعترف بأن اهتمامي بالقناني الجميلة المرتبة على رفوف الدكتور خالد أكبر من اهتمامي بوجهي .. كنت أريد هذه القناني .. أريدها وبشدة حتى إنه ليعتريني دوار في رأسي . لكنني لم أحاول أخذها لأنني شعرت بأن الدكتور خالد كان يراقبني عن كثب.. (انك تتحسن .. وقريباً سوف نترك لك ادراة المستشفى .. فيما عدا غرفة التهدئة
بالطبع) .. قال لي ذلك الدكتور خالد وهو يقرص ذراعي مازحاً .. وأضاف(علينا أن نبقي هذه الغرفة صحية) كنتُ سعيداً .. قناني لطيفة مملوءة بالسم الجيد .. بعض هذه السموم تمكنت من التعرف عليه .. والبعض الآخر لايخطر في ذاكرتي.. بعد ذلك عدت الى الغرفة .. ابتسمت لي الممرضة عبير من خلف منضدتها واستلقيت أنا على السرير الأبيض وأخذت اراقبها .. إن لها عينين عميق غورهما وعندما أراها تزداد رغبتي إلى أن أعود طبيعياً .. غرفتي مدهونة بالوان هادئة والتأثير الكلي لها يدعو إلى النعاس .. انني على ثقة بانني لم أنم طويلا أو احلم كثيراً .. قناني .. قناني.. زملائي المرضى معظمهم طاعن في السن وهم إما بلهاء أو عديمو الوعي فيما عدا الرجل الملتحي , فهو معقول في المحادثة أحياناً..
* 14 نيسان:
لقد لاحظ الرجل ذو اللحية اني اراقبه وصاح في (وجع خيطان) .. إنه يجعلني في منتهى الغضب احياناً , وهو دائماً يردد هذه العبارة على مسامعي عندما يصاب بنوبة هياج .. ويؤخذ للتهدئة .. إنني اتساءل .. ماذا يعني بهذه الكلمة ؟ سوف اقلع عن كتابة مذكراتي بقية هذا اليوم .. إنّ الدكتور خالد يقول: إنّ كتابة المذكرات شيء جيد , لكنني أخشى أن يقرأها أحد .. وهذا ما سوف يغضبني.. والغضب الشديد يؤدي الى الهيجان ......... أحس بالنعاس الآن.
* 15نيسان :
هذا اليوم حاولت دون جدوى مع الرجل ذي اللحية مرة أخرى أن لا يشرب بفيه مباشرة من الحنفية .. لكنه يرفض ... أظن أن لديه شكوكاً في أنني قمت بعمل شيء ما , لانه كان يرمقني بضغينة وكره ..
* 16نيسان:
ليس هناك شيء يمكن أن يفوت الدكتور خالد أو الممرضة عبير , أما الرجل ذو اللحية فقد أصبح حذراً أكثر من ذي قبل .. واليوم عند الضحى جلست في حديقة المستشفى .. ثم أحسست بحكة في رقبتي وظللت أحكها حتى تقرّحت وسال الدم .. ضحكت الممرضة عبير ضحكتها الباردة ووضعت المطهرات عليها .. لقد أخبرتني أن مستشفى الامراض العقلية هذا مستشفى خاص . ولا يستقبل غير الحالات الميئوس منها .. والذين سبق احتجازهم في اماكن أخرى لسنين عديدة قبل أن ينتقلوا إليها .. إذا كان ماقالته صحيحاً, فلماذا اذن أنا هنا؟!!..
عند الظهر قام الدكتور خالد بفحصي واستمع الى قلبي , قال : إنني في صحة جيدة .. ويبدو أن ذلك أسعده .. وعندما سألته فيما إذا كنت سأشفى تماماً راوغ في الاجابة وذلك ما أغضبني.. لقد تدبرت أن أخفي أية مظاهر خارجية لانفعالاتي.. وعندما عدت الى الغرفة جعلني الشعور بقنينة السم أكثر ارتياحاً..
* 17نيسان:
كان الرجل ذو اللحية يراقبني في سريره هذا الصباح .. كان يبدو ضعيفاً جداً لقد عانى من حالات هياج شديدة .. كنت في مكتب الدكتور خالد في وقت مبكر من هذا اليوم ونظرت في المرآة .. لم أتعرّف على نفسي , أحس .. في بعض الأحيان أن رأسي قد انفلق وخرجت منه جميع المحتويات .. ليس هناك ألم .. لكن ليس ثمة مجال فيه للبحث عن الأشياء قبل برهة جربت شيئا من محتويات القنينة الجديدة التي أخذتها من مكتب الدكتور خالد , لكن دون جدوى مع أنني رأيت الممرضة عبير تشرب قدح الماء ..
* 18 نيسان :
علي أن أخفي هذه المذكرات انني أكاد أكون على ثقة من أنهم يقرأونها .. لقد أعادو الرجل الملتحي اليوم من غرفة التهدئة .. عيناه محمرتان وغائرتان وقد استمر يراقبني طيلة الصباح , وعندما تركتنا الممرضة عبير ..أشار إلي باصبعه بإلحاح .. لم يقل شيئاً . وإنما رفع لحيته عالياً وأشار الى عنقه , نظرت اليه لكنني لم أرشيئاً سوى بقع حمراء , وكأنما كان قد خدش نفسه بأظافره ..ثم قام يفتح هذه البقع بيد مرتعشة وانبجست منها قطرات دم وهو يضحك .. أدرت وجهي فمنظر الدم يقرفني.. تكلمت معه وجرى بيننا حوار وأخبرني بأنني سبق أن قتلت ثلاثة اشخاص.. وادعى أيضاً هذا الرجل الملتحي أن الدكتور خالد والممرضة عبير هما من مصاصي الدماء..!!
* يوم بلا تاريخ :
لقد عدت من غرفة التهدئة اليوم.. مريضاً , ضعيفاً ... أظنُ أحداً لم يجد القنينة التي اخفيتها .. تلك القنينة التي غدت فارغة حتى مستوى الجمجمة .. لم اخفها إلا لكي أثير غضب الرجل ذي اللحية .. إنني أتسائل لماذا يثير الدكتور خالد والممرضة عبير فيّ كل هذا الغضب ؟ .. أظن أن السبب أنهما يتحركان ويتحدثان أما أولئك الطاعنون في السن الذين لايتحركون ولايتحدثون فإنهم لايثيرون غضبي .. فيما عدا الرجل الملتحي فقد بدأ يضايقني كثيراً ..
* يوم لا أتذكره.. لم يكن هناك شهر:
الأحلام أخذت تزداد سوءاً .. أصبحت أكثر وضوحاً وحقيقة .. لقد حلمت أنني في مكتب الدكتور خالد وكنت أنظر إلى القناني الجميلة على الرفوف فيما كان الدكتور خالد والممرضة عبير يقرآن مذكراتي ويضحكان .. وكان الرجل ذو اللحية يواصل صراخه عليّ من بعيد .. لقد كان حلماً واقعياً غيرَ أني عيني لم تكونا تريدان أن تنفتحا.. وفي هذا الصباح عدت إلى فراشي .. وقضيت معظم الظهيرة مسترخياً .. حلمت بالقناني على الرف وبكفني .. وقال لي الرجل الملتحي إننا نستطيع.. نستطيع قتلهما يقصد الدكتور وعبير برصاصات فضية لكنّ فكرة القتل فكرة شنيعة لدي .. إنني في الواقع لا أؤمن بمثل هذه الأشياء.. لكن ماذا لو أن الملتحي كان على حق ؟ ماذا لو أن الدكتور خالد والممرضة عبير كان مصاصي دماء؟
إنّ هذا المكان سيكون ملائماً لهما تماماً . فليس هناك تحريات عن أسباب الموت . ولا تحقيق , فالمرضى هنا منسيون من سنين مضت .. ولا أحد يسأل عنهم ! لكن الخطة معقدة .. سوف يكون علي أن استعين بالرجل الملتحي .. عليه أن يسرق الأشياء التي احتاجها .. فإذا كان الدكتور ..والممرضة يراقبانني ويضحكان عندما أسرق منهما , فسوف يكون من المجازفة لي أن أقوم بها ..
* التاريخ الأول :
بدأنا بالخطة هذا اليوم .. لقد تمكن الرجل ذو اللحية أن يسرق القنينة الكبيرة التي تحتوي على المحلول الملحي كذلك الأنبوب والأبرة التي تحقنه في الشرايين كما تمكن من تدبير أمور أخرى - فالمواد الكيماوية كانت هناك حيثُ وضعتُها حتى إنني أعرف اللون الصحيح للقنينة .. وما علينا سوى أن ننتظر الوقت المناسب ... ربما هذه الليلة ... سوف أخفي مذكراتي جيداً ...
* يوم ليس من أيام الأسبوع :
لم نتمكن من تدبير أمورنا .. إنني أشعر بالغليان في داخلي كما أشعر بالدوار ... وأنا أحاول أن افتعل الغضب والهياج ... الممرضة عبير تراقب من خلف منضدتها بنظرات حادة وعينين براقتين ... سوف يأخذوني إلى غرفة التهدئة ...
* أيلول الفضي من العام 3333م :
إنني مريض ... يبدو أن ليس هناك شيء يعمل في جوفي . والحرارة العالية وصلت إلى درجة أن عيني أخذت ترى بريقاً دون ظلال ... إنني في غرفة التهدئة . ولم أر كائناً حياً طيلة هذا اليوم .. لكنني استطيع أن اسمع الضحكة الخافتة للرجل الملتحي , ومرةً سمعته يصفق بيديه ... أظن أن الدكتور خالد والممرضة عبير قد ماتا ... يجب أنْ يموتا ... لقد وضعنا كلوريدا الفضية في المحلول الملحي ثم غرزت الإبرة في ذراعي , وتركت المحلول كله يندفع في الشريان إلى الداخل ... وعندما يبدأ اهتياجي سوف يقومان بامتصاص دمي .. لو تمكنت من الوقوف لرأيت أصبع قدم أنثى عند الباب ... لااستطيع رؤية الدكتور خالد ... يجب أن يكون الآن في الردهة قرب الممرضة عبير ... ميتين من دمي المسموم ... دمي الرائع المعقد .. دمي الفضي ... مصاصا الدماء سيموتان من دمي ... !!!
* أيلول الأحمر/ السنة ذاتها عقب خروجي من المستشفى :
للقتل لذة , وفي ممارسته نشوة , أجل.. إنها لذة فائقة لاتضاهيها لذة ! فالقتل يُسكر كما تُسكر الخمر , ويُثمل كما تُثمل الصهباء .. وكل كائن يقتل ليعيش , ويعيش ليقتل ! فالوحش يقتل ليأكل والإنسان يقتل ليطمئن إلى البقاء .. والطفل تطربه الإبادة , ويستهويه القتل فيقتل متعمداً جذلاً مالايحصى من الحشرات والهوام والعصافير .. لكنّ هذا لايقلل من شهواتنا إلى إزهاق الأرواح ... فقتل الحيوان لايشفي الغليل ولا يُشبع الرغبةَ الجامحة المتوثبة الرعناء ... ولايُخمد النارَ ولا الأوارَ المتسعّر في قرارة النفوس والملتهب في أنابيب الشهوات ... لذلك أعلنا الحروب المبيدة فقُتلِت أممٌ بأسرها ونُحرت شعوبٌ برمتها .. واحتفلنا بالنصر .. ونصبنا للقادة القتلة أقواس النصر .. ونثرنا الأزهار في طريقهم .. نكرّمهم , ونخلّد أسماءهم ونعلّق الأوسمة على صدورهم.. القتل هو القانون .. ولامرية في أن القتل لذ ةُ النفس القصوى .. فواهاً لك ثم واهاً لو وضع أمامك كائن حي مفكر , لتثقب في جسده ثقباً ينبثق منه سائل أحمر اللون - هو الدم - هو الحياة .. ألم يقل الشاعر:
من كان يكذبني أن الحياةَ منىً = فليس يكذبني أنّ الحياة دمُ
لقد طغت علي هذه التجربة- بعد خروجي من المستشفى- مصاصَ دماءٍٍ محترف , وألحّت علي هذه الفكرة .. فكرة القتل فانهارت مقاومتي .. ثم أخذت عصفوراً من قفصه .. وسعيت به وهو في قبضتي إلى البيت فقطعت بالسكين عنقَه .. ففتح منقارَه ألماً , وكافحَ من أجل الحياة وانتفض محاولاً الإفلات .. فبهتُ وذهلتُ , وشعرتُ بشناعة ما أنا صانع .. وشعرتُ في تلك اللحظة أني قادرٌ على قتل كلبٍ عقور .. ! ولما رأيت الدم القاني يتحلب وينزّ تلذذت , وكما يفعل المجرم المحترف العريق في الإجرام , غسلت السكين وأزلتُ آثارَ الجريمة .. ثم حملت الضحية ودفنتها في حديقةٍ أزهرت فيها القبور وأقفرت منها الزهور ..
* يوم مختزل:
ينبغي أن أقتل إنساناً فهذا العصفور لايفي بالغرض .. إن القتل لأمر تافه .. لقد قصدت حياً من أحياء المدينة ولما اجتزت الشارع دخلت إحدى الأزقة المهجورة وفيما أنا أبحث وأتلفت , أبصرت غلاماً يلهو ويلعب .. ألقيت عليه تحية لطيفة مؤنسه كي لايفرق مني فخفق قلبه بشدة عجيبه وتهللت أسارير وجهه .. ووخزتني فكرة رهيبة .. هل أقتل ؟ أأقتل الغلام ؟! قلت له بلطف " هل تلعب هنا وحدك يا (شاطر) ؟ فأجابني بسذاجة : أجل لوحدي فدنوت منه متئداً , وقبضت بكلتا يدي على عنقه بغتةً , فانتفض الجسد الصغير واهتزّ كما تهتز ريشة تحت نار ملتهبة ! وما هي إلا دقيقة حتى فارق الحياة فطرحته وألقيت به في حاوية القمامة , وقفلت راجعاً فأقبلت على الطعام ألتهمه بشهية ! لكني لم أبصر دماً .. وبعد ذلك عثر الشرطة على جثة الغلام .. وفشل المحققون , ولم يتمكنوا من الوصول إلى القاتل ... أواه لو رأيتُ الدم يسيل من جسد ذلك الغلام لكنت أسعد إنسان ..
* نهاية التاريخ :
اليوم قتلت رجلاً ! ففيما كنت أمشي على شاطيء البحر , رأيت صياداً يستظل بظل استرقت النظر إليه , فألفيته نائماً وإلى جانبه معول قد غرسه في التراب .. خُيل لي أنّ الحظ يشده لي .. فاقتلعت المعول من مكانه وهجمت على النائم فأهويت به على أم رأسه .. فانفلق وتفجرّت منه الدماء الزكية , وسالت على الرمال كجدول صغير , واختلط بماء البحر ! .. أثارت الجريمة ضجة صاخبة وامتلأت الصحف بالخبر الأحمر , وحامت الشبهات حول ابن أخته الشاب ... ودافع الشاب عن نفسه .. وأقسم على صحة أقواله .. وأخيراً أقرّ المتهم بما نُسب إليه واعترف بما جنى واقترف ! أكرهوه على الاعتراف ... ولاريب أنهم أفقدوه عقلَه .. وهاأنا قد قضيت على الصيّاد والفتى شعرتُ بالرضى والسرور ومازلت أتوق إلى تكرار القتل لإمارس هوايتي المفضلة وأكتشف قدراتي الهائلة
...................
بقلمي
اليوم اكتشفت شيئاً ما...لقد سمحو لي أن أتطلع في المرآة داخل مكتب الدكتور خالد انني في الاربعين من عمري , يبدو ذلك واضحاً من وجهي وشعري.. لم اتمكن من التعرف على نفسي .. اقصد لم تكن ثمة علاقة بين ما رأيته في المرآة , وهذه الذاكرة الخادعة التي امتلكها.. لكنّه شيء جميل أن يرى المرء وجهه , رغم أن وجهي يبدو اعتيادياً تماماً.. علي أن اعترف بأن اهتمامي بالقناني الجميلة المرتبة على رفوف الدكتور خالد أكبر من اهتمامي بوجهي .. كنت أريد هذه القناني .. أريدها وبشدة حتى إنه ليعتريني دوار في رأسي . لكنني لم أحاول أخذها لأنني شعرت بأن الدكتور خالد كان يراقبني عن كثب.. (انك تتحسن .. وقريباً سوف نترك لك ادراة المستشفى .. فيما عدا غرفة التهدئة
بالطبع) .. قال لي ذلك الدكتور خالد وهو يقرص ذراعي مازحاً .. وأضاف(علينا أن نبقي هذه الغرفة صحية) كنتُ سعيداً .. قناني لطيفة مملوءة بالسم الجيد .. بعض هذه السموم تمكنت من التعرف عليه .. والبعض الآخر لايخطر في ذاكرتي.. بعد ذلك عدت الى الغرفة .. ابتسمت لي الممرضة عبير من خلف منضدتها واستلقيت أنا على السرير الأبيض وأخذت اراقبها .. إن لها عينين عميق غورهما وعندما أراها تزداد رغبتي إلى أن أعود طبيعياً .. غرفتي مدهونة بالوان هادئة والتأثير الكلي لها يدعو إلى النعاس .. انني على ثقة بانني لم أنم طويلا أو احلم كثيراً .. قناني .. قناني.. زملائي المرضى معظمهم طاعن في السن وهم إما بلهاء أو عديمو الوعي فيما عدا الرجل الملتحي , فهو معقول في المحادثة أحياناً..
* 14 نيسان:
لقد لاحظ الرجل ذو اللحية اني اراقبه وصاح في (وجع خيطان) .. إنه يجعلني في منتهى الغضب احياناً , وهو دائماً يردد هذه العبارة على مسامعي عندما يصاب بنوبة هياج .. ويؤخذ للتهدئة .. إنني اتساءل .. ماذا يعني بهذه الكلمة ؟ سوف اقلع عن كتابة مذكراتي بقية هذا اليوم .. إنّ الدكتور خالد يقول: إنّ كتابة المذكرات شيء جيد , لكنني أخشى أن يقرأها أحد .. وهذا ما سوف يغضبني.. والغضب الشديد يؤدي الى الهيجان ......... أحس بالنعاس الآن.
* 15نيسان :
هذا اليوم حاولت دون جدوى مع الرجل ذي اللحية مرة أخرى أن لا يشرب بفيه مباشرة من الحنفية .. لكنه يرفض ... أظن أن لديه شكوكاً في أنني قمت بعمل شيء ما , لانه كان يرمقني بضغينة وكره ..
* 16نيسان:
ليس هناك شيء يمكن أن يفوت الدكتور خالد أو الممرضة عبير , أما الرجل ذو اللحية فقد أصبح حذراً أكثر من ذي قبل .. واليوم عند الضحى جلست في حديقة المستشفى .. ثم أحسست بحكة في رقبتي وظللت أحكها حتى تقرّحت وسال الدم .. ضحكت الممرضة عبير ضحكتها الباردة ووضعت المطهرات عليها .. لقد أخبرتني أن مستشفى الامراض العقلية هذا مستشفى خاص . ولا يستقبل غير الحالات الميئوس منها .. والذين سبق احتجازهم في اماكن أخرى لسنين عديدة قبل أن ينتقلوا إليها .. إذا كان ماقالته صحيحاً, فلماذا اذن أنا هنا؟!!..
عند الظهر قام الدكتور خالد بفحصي واستمع الى قلبي , قال : إنني في صحة جيدة .. ويبدو أن ذلك أسعده .. وعندما سألته فيما إذا كنت سأشفى تماماً راوغ في الاجابة وذلك ما أغضبني.. لقد تدبرت أن أخفي أية مظاهر خارجية لانفعالاتي.. وعندما عدت الى الغرفة جعلني الشعور بقنينة السم أكثر ارتياحاً..
* 17نيسان:
كان الرجل ذو اللحية يراقبني في سريره هذا الصباح .. كان يبدو ضعيفاً جداً لقد عانى من حالات هياج شديدة .. كنت في مكتب الدكتور خالد في وقت مبكر من هذا اليوم ونظرت في المرآة .. لم أتعرّف على نفسي , أحس .. في بعض الأحيان أن رأسي قد انفلق وخرجت منه جميع المحتويات .. ليس هناك ألم .. لكن ليس ثمة مجال فيه للبحث عن الأشياء قبل برهة جربت شيئا من محتويات القنينة الجديدة التي أخذتها من مكتب الدكتور خالد , لكن دون جدوى مع أنني رأيت الممرضة عبير تشرب قدح الماء ..
* 18 نيسان :
علي أن أخفي هذه المذكرات انني أكاد أكون على ثقة من أنهم يقرأونها .. لقد أعادو الرجل الملتحي اليوم من غرفة التهدئة .. عيناه محمرتان وغائرتان وقد استمر يراقبني طيلة الصباح , وعندما تركتنا الممرضة عبير ..أشار إلي باصبعه بإلحاح .. لم يقل شيئاً . وإنما رفع لحيته عالياً وأشار الى عنقه , نظرت اليه لكنني لم أرشيئاً سوى بقع حمراء , وكأنما كان قد خدش نفسه بأظافره ..ثم قام يفتح هذه البقع بيد مرتعشة وانبجست منها قطرات دم وهو يضحك .. أدرت وجهي فمنظر الدم يقرفني.. تكلمت معه وجرى بيننا حوار وأخبرني بأنني سبق أن قتلت ثلاثة اشخاص.. وادعى أيضاً هذا الرجل الملتحي أن الدكتور خالد والممرضة عبير هما من مصاصي الدماء..!!
* يوم بلا تاريخ :
لقد عدت من غرفة التهدئة اليوم.. مريضاً , ضعيفاً ... أظنُ أحداً لم يجد القنينة التي اخفيتها .. تلك القنينة التي غدت فارغة حتى مستوى الجمجمة .. لم اخفها إلا لكي أثير غضب الرجل ذي اللحية .. إنني أتسائل لماذا يثير الدكتور خالد والممرضة عبير فيّ كل هذا الغضب ؟ .. أظن أن السبب أنهما يتحركان ويتحدثان أما أولئك الطاعنون في السن الذين لايتحركون ولايتحدثون فإنهم لايثيرون غضبي .. فيما عدا الرجل الملتحي فقد بدأ يضايقني كثيراً ..
* يوم لا أتذكره.. لم يكن هناك شهر:
الأحلام أخذت تزداد سوءاً .. أصبحت أكثر وضوحاً وحقيقة .. لقد حلمت أنني في مكتب الدكتور خالد وكنت أنظر إلى القناني الجميلة على الرفوف فيما كان الدكتور خالد والممرضة عبير يقرآن مذكراتي ويضحكان .. وكان الرجل ذو اللحية يواصل صراخه عليّ من بعيد .. لقد كان حلماً واقعياً غيرَ أني عيني لم تكونا تريدان أن تنفتحا.. وفي هذا الصباح عدت إلى فراشي .. وقضيت معظم الظهيرة مسترخياً .. حلمت بالقناني على الرف وبكفني .. وقال لي الرجل الملتحي إننا نستطيع.. نستطيع قتلهما يقصد الدكتور وعبير برصاصات فضية لكنّ فكرة القتل فكرة شنيعة لدي .. إنني في الواقع لا أؤمن بمثل هذه الأشياء.. لكن ماذا لو أن الملتحي كان على حق ؟ ماذا لو أن الدكتور خالد والممرضة عبير كان مصاصي دماء؟
إنّ هذا المكان سيكون ملائماً لهما تماماً . فليس هناك تحريات عن أسباب الموت . ولا تحقيق , فالمرضى هنا منسيون من سنين مضت .. ولا أحد يسأل عنهم ! لكن الخطة معقدة .. سوف يكون علي أن استعين بالرجل الملتحي .. عليه أن يسرق الأشياء التي احتاجها .. فإذا كان الدكتور ..والممرضة يراقبانني ويضحكان عندما أسرق منهما , فسوف يكون من المجازفة لي أن أقوم بها ..
* التاريخ الأول :
بدأنا بالخطة هذا اليوم .. لقد تمكن الرجل ذو اللحية أن يسرق القنينة الكبيرة التي تحتوي على المحلول الملحي كذلك الأنبوب والأبرة التي تحقنه في الشرايين كما تمكن من تدبير أمور أخرى - فالمواد الكيماوية كانت هناك حيثُ وضعتُها حتى إنني أعرف اللون الصحيح للقنينة .. وما علينا سوى أن ننتظر الوقت المناسب ... ربما هذه الليلة ... سوف أخفي مذكراتي جيداً ...
* يوم ليس من أيام الأسبوع :
لم نتمكن من تدبير أمورنا .. إنني أشعر بالغليان في داخلي كما أشعر بالدوار ... وأنا أحاول أن افتعل الغضب والهياج ... الممرضة عبير تراقب من خلف منضدتها بنظرات حادة وعينين براقتين ... سوف يأخذوني إلى غرفة التهدئة ...
* أيلول الفضي من العام 3333م :
إنني مريض ... يبدو أن ليس هناك شيء يعمل في جوفي . والحرارة العالية وصلت إلى درجة أن عيني أخذت ترى بريقاً دون ظلال ... إنني في غرفة التهدئة . ولم أر كائناً حياً طيلة هذا اليوم .. لكنني استطيع أن اسمع الضحكة الخافتة للرجل الملتحي , ومرةً سمعته يصفق بيديه ... أظن أن الدكتور خالد والممرضة عبير قد ماتا ... يجب أنْ يموتا ... لقد وضعنا كلوريدا الفضية في المحلول الملحي ثم غرزت الإبرة في ذراعي , وتركت المحلول كله يندفع في الشريان إلى الداخل ... وعندما يبدأ اهتياجي سوف يقومان بامتصاص دمي .. لو تمكنت من الوقوف لرأيت أصبع قدم أنثى عند الباب ... لااستطيع رؤية الدكتور خالد ... يجب أن يكون الآن في الردهة قرب الممرضة عبير ... ميتين من دمي المسموم ... دمي الرائع المعقد .. دمي الفضي ... مصاصا الدماء سيموتان من دمي ... !!!
* أيلول الأحمر/ السنة ذاتها عقب خروجي من المستشفى :
للقتل لذة , وفي ممارسته نشوة , أجل.. إنها لذة فائقة لاتضاهيها لذة ! فالقتل يُسكر كما تُسكر الخمر , ويُثمل كما تُثمل الصهباء .. وكل كائن يقتل ليعيش , ويعيش ليقتل ! فالوحش يقتل ليأكل والإنسان يقتل ليطمئن إلى البقاء .. والطفل تطربه الإبادة , ويستهويه القتل فيقتل متعمداً جذلاً مالايحصى من الحشرات والهوام والعصافير .. لكنّ هذا لايقلل من شهواتنا إلى إزهاق الأرواح ... فقتل الحيوان لايشفي الغليل ولا يُشبع الرغبةَ الجامحة المتوثبة الرعناء ... ولايُخمد النارَ ولا الأوارَ المتسعّر في قرارة النفوس والملتهب في أنابيب الشهوات ... لذلك أعلنا الحروب المبيدة فقُتلِت أممٌ بأسرها ونُحرت شعوبٌ برمتها .. واحتفلنا بالنصر .. ونصبنا للقادة القتلة أقواس النصر .. ونثرنا الأزهار في طريقهم .. نكرّمهم , ونخلّد أسماءهم ونعلّق الأوسمة على صدورهم.. القتل هو القانون .. ولامرية في أن القتل لذ ةُ النفس القصوى .. فواهاً لك ثم واهاً لو وضع أمامك كائن حي مفكر , لتثقب في جسده ثقباً ينبثق منه سائل أحمر اللون - هو الدم - هو الحياة .. ألم يقل الشاعر:
من كان يكذبني أن الحياةَ منىً = فليس يكذبني أنّ الحياة دمُ
لقد طغت علي هذه التجربة- بعد خروجي من المستشفى- مصاصَ دماءٍٍ محترف , وألحّت علي هذه الفكرة .. فكرة القتل فانهارت مقاومتي .. ثم أخذت عصفوراً من قفصه .. وسعيت به وهو في قبضتي إلى البيت فقطعت بالسكين عنقَه .. ففتح منقارَه ألماً , وكافحَ من أجل الحياة وانتفض محاولاً الإفلات .. فبهتُ وذهلتُ , وشعرتُ بشناعة ما أنا صانع .. وشعرتُ في تلك اللحظة أني قادرٌ على قتل كلبٍ عقور .. ! ولما رأيت الدم القاني يتحلب وينزّ تلذذت , وكما يفعل المجرم المحترف العريق في الإجرام , غسلت السكين وأزلتُ آثارَ الجريمة .. ثم حملت الضحية ودفنتها في حديقةٍ أزهرت فيها القبور وأقفرت منها الزهور ..
* يوم مختزل:
ينبغي أن أقتل إنساناً فهذا العصفور لايفي بالغرض .. إن القتل لأمر تافه .. لقد قصدت حياً من أحياء المدينة ولما اجتزت الشارع دخلت إحدى الأزقة المهجورة وفيما أنا أبحث وأتلفت , أبصرت غلاماً يلهو ويلعب .. ألقيت عليه تحية لطيفة مؤنسه كي لايفرق مني فخفق قلبه بشدة عجيبه وتهللت أسارير وجهه .. ووخزتني فكرة رهيبة .. هل أقتل ؟ أأقتل الغلام ؟! قلت له بلطف " هل تلعب هنا وحدك يا (شاطر) ؟ فأجابني بسذاجة : أجل لوحدي فدنوت منه متئداً , وقبضت بكلتا يدي على عنقه بغتةً , فانتفض الجسد الصغير واهتزّ كما تهتز ريشة تحت نار ملتهبة ! وما هي إلا دقيقة حتى فارق الحياة فطرحته وألقيت به في حاوية القمامة , وقفلت راجعاً فأقبلت على الطعام ألتهمه بشهية ! لكني لم أبصر دماً .. وبعد ذلك عثر الشرطة على جثة الغلام .. وفشل المحققون , ولم يتمكنوا من الوصول إلى القاتل ... أواه لو رأيتُ الدم يسيل من جسد ذلك الغلام لكنت أسعد إنسان ..
* نهاية التاريخ :
اليوم قتلت رجلاً ! ففيما كنت أمشي على شاطيء البحر , رأيت صياداً يستظل بظل استرقت النظر إليه , فألفيته نائماً وإلى جانبه معول قد غرسه في التراب .. خُيل لي أنّ الحظ يشده لي .. فاقتلعت المعول من مكانه وهجمت على النائم فأهويت به على أم رأسه .. فانفلق وتفجرّت منه الدماء الزكية , وسالت على الرمال كجدول صغير , واختلط بماء البحر ! .. أثارت الجريمة ضجة صاخبة وامتلأت الصحف بالخبر الأحمر , وحامت الشبهات حول ابن أخته الشاب ... ودافع الشاب عن نفسه .. وأقسم على صحة أقواله .. وأخيراً أقرّ المتهم بما نُسب إليه واعترف بما جنى واقترف ! أكرهوه على الاعتراف ... ولاريب أنهم أفقدوه عقلَه .. وهاأنا قد قضيت على الصيّاد والفتى شعرتُ بالرضى والسرور ومازلت أتوق إلى تكرار القتل لإمارس هوايتي المفضلة وأكتشف قدراتي الهائلة
...................
بقلمي